مفردة الطُّغيان في القرآن الكريم
أولاً: الطُّغيان
وردت كلمة طغى ومشتقاتها في تسعة وثلاثين موضعاً من القرآن الكريم وبصيغ وتصريفات مختلفة: (طغى، يطغى، أطغى، تطغوا، طغوا، أطغيته، طغيان، طغوى، طاغية، طاغوت، طاغين، طاغون). ونظراً إلى أن السياق القرآني له تأثيره البين والواضح في إضفاء معانٍ جديدة على الكلمات فإن الطُّغيان جاء بمعانٍ عدة وفقاً للسياق الذي ورد فيه، ولكن قبل الدخول في ذكر معاني الطُّغيان في القرآن الكريم لابد من الإشارة إلى أن بعض الآيات تحتمل أكثر من معنى واحد من المعاني التي أفادتها مفردة الطُّغيان مع القول بأن هذه المعاني يجمعها شيء واحد وهو المعني اللغوي -مجاوزة الحد- لكلمة الطُّغيان، وهذه المعاني هي 1. الضلال والكفر
ورد الطُّغيان في عدد من الآيات القرآنية بمعنى الضلال أو الكفر أو كليهما معاً، وهذه الآيات هي؛ قال تعالى:
]اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ[.
]وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ[.
]مَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ[.
]وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ[.
]وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ[.
]وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ[.
]قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ[.
]قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ[.
يعني: ما أضللته. قال الزمخشري: "ما جعلته طاغياً، وما أوقعته في الطُّغيان، ولكنه طغى واختار الضلالة على الهدى".
ونظراً لأن السياق يدل بوضوح على أن معنى الطُّغيان في هذه الآيات هو الضلال أو الكفر أو كلاهما معاً فإن جل المفسِّرين إن لم نقل كلهم قد ذهبوا إلى أن المعنى في هذه الآيات هو الضلال والكفر. نشير إلى بعض من تلك الأقوال على سبيل التمثيل لا الحصر.
قال مجاهد : "في طغيانهم يعني في ضلالتهم يترددون. يقول: زادهم الله ضلالة إلى ضلالتهم، وعمى إلى عماهم". وقال الواحدي ونذرهم في طغيانهم يعمهون: أخذُلُهُم وأدعُهُم في ضلالتهم يتمادون".
ومن القرائن التي تدل على أن المعنى في الآيات السابقة هو الضلال قوله تعالى: (يعمهون) والعمه هو التردد والحيرة، وهو حال معروفة للضال حقيقة ومجازاً. قال الزجاج: "ومعنى يعمهون في اللغة: يتحيرون. يقال: رجل عمه وعامه: أي متحير".
وبعد أن ذكر الإمام ابن جرير الطبري روايات كثيرة تشير إلى أن المقصود بالطُّغيان هنا الضلال والكفر قال: "القول في تأويل قوله تعالى يعمهون. قال أبو جعفر: والعمه نفسه الضلال يقال منه عمه فلان يعمه عمهانا وعموها إذا ضل…فمعنى قوله جل ثناؤه ويمدهم في طغيانهم يعمهون: في ضلالهم وكفرهم الذي قد غمرهم دنسه وعلاهم رجسه يترددون حيارى ضلالاً لا يجدون إلى المخرج منه سبيلاً لأن الله قد طبع على قلوبهم وختم عليها فأعمى أبصارهم عن الهدى، وأغشاها فلا يبصرون رشداً ولا يهتدون سبيلاً وبنحو ما قلنا في العمه جاء تأويل المتأولين". وكما ينقل النحاس عن أهل اللغة أنه يقال: "يعمهون: يترددون في الضلالة…وحكى أهل اللغة عَمِهَ يَعْمَهُ عُمُوهاً وعَمَهاً وعَمَهاناً فهو عَمِهٌ وعَامِهٌ إذا حار".
2. بمعنى الطُّغيان السِّياسيّ؛ أي بمعنى مجاوزة الحد في الاستكبار والعتو والتجبر والظُّلم والفساد في الأرض وفي استخدام القوة وعدم مراعاة أسس العدل والحق ولا سيما من قبل السادة والحكام. والآيات التي تضمنت هذه المعاني، هي:
]اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى[.
]اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى[.
]اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى[.
]فَأَمَّا مَنْ طَغَى[.
]قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى[.
قال الإمام الرَّازي: "أنه تعالى لم يبين أنه -فرعون- تعدى في أي شيء، فلهذا قال بعض المفسِّرين: معناه أنه تكبر على الله وكفر به. وقال آخرون إنه طغى على بني إسرائيل. والأولى عندي: الجمع بين الأمرين، فالمعنى أنه طغى على الخالق بأن كفر به، وطغى على الخلق بأن تكبر عليهم واستعبدهم، وكما أن كمال العبودية ليس إلا صدق المعاملة مع الخالق ومع الخلق، فكذا كمال الطُّغيان ليس إلا الجمع بين سوء المعاملة مع الخالق ومع الخلق".
وقوله: (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ). يعني: "تجاوزوا ما وجب عليهم إلى ما حظر من الكفر بالحق والعتو والتمرد والبغي في بلادهم، اغتراراً بالقوة وعظم السلطان". وقوله: (لِلْطَّاغِينَ مَآبًا). قال القاسمي: "أي للذين طغوا في الدنيا، فتجاوزوا حدود الله استكباراً على ربهم". وقوله: (هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ). والسياق يبين أن المقصود بـ(الطاغين) هم الزعماء الطُّغاة بدليل قول الملائكة لهؤلاء (هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ). يقول البيضاوي (ت 791هـ): "قوله تعالى: (هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ)، حكاية ما يقال للرؤساء الطاغين إذا دخلوا النار واقتحمها معهم فوج تبعهم في الضلال، والاقتحام ركوب الشدة، والدخول فيها لا، مرحباً بهم دعاء من المتبوعين على أتباعهم".
وقوله: ]أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ[. (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ[. يعني: "مجاوزون الحد في العناد مع ظهور الحق لهم".
وقوله: ]وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ[.
ويدل على أن المقصود بالطُّغيان هنا الاستكبار والعتو والتجبر السياق في أكثر الآيات المذكورة أعلاه حيث الخطاب هنا جار بين السادة والأتباع. إضافة إلى قرائن أخرى وردت في سياق الآية الأخيرة منها لفظة (مجرمون) وكذا لفظة (يستكبرون) فـ(مجرمون) راجع إلى كل من السادة والأتباع، قال الرَّازي في تفسير قوله تعالى: ]فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ[: "يعني فالمتبوع والتابع والمخدوم والخادم مشتركون في الوقوع في العذاب كما كانوا في الدنيا مشتركين في الغواية".
ويدل على أن المقصود هنا السادة الطُّغاة أنهم قد استخدموا القوة في إشراك الرَّعيَّة معهم، وهذا ما يدل عليه تفسير كلمة (اليمين) الموافق للسياق كما يقول الإمام الرَّازي رحمه الله في بيانه لمعاني اليمين في قوله تعالى: ]قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنْ الْيَمِينِ قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ[: "لفظ اليمين مستعار من القوة والقهر، لأن اليمين موصوفة بالقهر وبها يقع البطش، والمعنى أنكم كنتم تأتوننا عن القوة والقهر، وتقصدوننا عن السلطان والغلبة حتى تحملونا على الضلال وتعيرونا عليه".
وقوله تعالى: ]كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا[.
يقول ابن الجوزي: "بطغواها أي كذبت رسولها بطغيانها، والمعنى أن الطُّغيان حملهم على التكذيب. قال الفراء: "أراد بطغواها طغيانها وهما مصدران إلا أن الطغوى أشكل برؤوس الآيات فاختير لذلك".
وقوله تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى). الاستغناء هنا عام وليس مختصاً بالمال فقط بل يشمل كلاً من المال والقوة والجُنُود..الخ بحيث يصل الإنسان به إلى درجة يشعر أنه قد استغنى عن كل من حوله.
وقوله: ]وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاس وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا[.
يقول البيضاوي: "فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً، إلا عتواً متجاوز الحد". ويشير البغوي إلى نفس المعنى بقوله: "أي تمرداً وعتواً عظيماً". وهذا الوصف مطابق لما كان عليه ملأ قريش العاتي.
3. العلو والارتفاع والكثرة
ورد الطُّغيان في بعض الآيات القرآنية بمعنى مجاوزة الحد بالمفهوم اللغوي، أي بمعنى: العلو والارتفاع والكثرة، قال تعالى: ]إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ[.
يقول الراغب الأصفهاني: "فاستعير الطُّغيان فيه لمجاوزة الماء الحد".
سمي ذلك طغياناً لمجاوزة الماء القدر المعلوم وهو كما سبق من باب الاستعارة، فهو من قبيل: "استعارة معقول لمحسوس…فإن المستعار له كثرة الماء وهو حسي، والمستعار منه التَّكبُّر، والجامع الاستعلاء المفرط وهما -التَّكبُّر والاستعلاء- عقليان".
وقوله تعالى: ]فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغية[.
سميت الصيحة التي أهلكت ثمود بالطَّاغية وذلك لتجاوزها الحد المعلوم أو المعهود في مثلها. قال قتادة: "أي الصيحة التي خرجت عن حد كل صيحة". قال الزمخشري: "بالواقعة المجاوزة للحد في الشدة، واختلف فيها فقيل: الرجفة، وعن ابن عباس: الصاعقة، وعن قتادة: بعث الله عليهم صيحة فأهمدتهم".
والراجح أنها كانت صيحة مجاوزة لحد كل صيحة، وليس المقصود هنا التكذيب بالطُّغيان كما ذهب إليه بعض المفسِّرين، والتكذيب بسبب الطُّغيان إنما هو في آية الشمس، وهو اختيار ابن جرير الطبري فبعد أن ذكر الخلاف في ذلك قال: "وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال معنى ذلك: فأهلكوا بالصيحة الطَّاغية. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لأن الله إنما أخبر عن ثمود بالمعنى الذي أهلكها به كما أخبر عن عاد بالذي أهلكها به فقال: (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ[ ولو كان الخبر عن ثمود بالسبب الذي أهلكها من أجله كان الخبر أيضا عن عاد كذلك إذ كان ذلك في سياق واحد وفي إتباعه ذلك بخبره عن عاد بأن هلاكها كان بالريح الدليل الواضح على أن إخباره عن ثمود إنما هو ما بينت". وهو ما ذكره الزمخشري أيضاً. ويدل لصحة القول بأن المقصود هنا الصيحة التي جاوزت الحد في الشدة ما ذكره القرآن الكريم في مواضع أخرى عن هلاك ثمود بالصيحة، وهذه المواضع هي؛ قال تعالى: (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ). وقوله: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ). وقوله: (فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ[. وقوله: ]فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ). وقوله: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[. وقوله: ]فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ[.
ولا تعارض بين هذه الآيات حيث كانت الصيحة مجاوزة للحد من الشدة، وكما يقول الإمام الآلوسي: "فان الصيحة العظيمة الخارقة للعادة حصل منها الرجفة لقلوبهم ولعظمها وخروجها عن الحد المعتاد تسمى الطَّاغية لأن الطُّغيان مجاوزة الحد".
وقوله: ]مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) وما طغى يعني: وما جاوز ما أمر برؤيته إلى غيره، بل وقع عليه وقوعاً صحيحاً.
4. بمعنى الإسراف في الظُّلم والعصيان
ومن المعاني التي ورد بها الطُّغيان الإسراف في الظُّلم أو مجاوزة الحد في الظُّلم والعصيان. والآيات القرآنية التي تضمنت هذا المعنى، هي، قال تعالى:
]كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى[.
قال الزمخشري: "طغيانهم في النعمة أن يتعدوا حدود الله فيها، بأن يكفروها ويشغلهم اللهو والتنعم عن القيام بشكرها، وأن ينفقوها في المعاصي: وأن يزوروا حقوق الفقراء فيها، وأن يسرفوا في إنفاقها وأن يبطروا فيها ويأشروا ويتكبروا".
وقوله: ]أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ[.
أي لا تظلموا أو لا تتجاوزوا العدل والحق. قال القاسمي: "أي بالإفراط عن حد الفضيلة والاعتدال".
وقوله: ]فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[.
قال ابن كثير: "يأمر تعالى رسوله وعباده المؤمنين بالثبات، والدوام على الإستقامة، وذلك من أكبر العون على الأعداء ومخالفة الأضداد، ونهى عن الطُّغيان وهو البغي فإنه مصرعة حتى ولو كان على مشرك".
وقوله: ]وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى[.
أي: "أظلم من عاد وثمود وأطغى منهم، أو أظلم وأطغى من جميع الفرق الكفرية، أو أظلم وأطغى من مشركي العرب، وإنما كانوا كذلك لأنهم عتوا على الله بالمعاصي مع طول مدة دعوة نوح لهمً".وقوله تعالى: ]قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ). أي متجاوزين الحد في العصيان وذلك بمنع حق الفقراء فيه.
5. بمعنى العقوق أي مجاوزة الحد في التعامل مع الوالدِّين
ورد الطُّغيان بمعنى العقوق في قوله تعالى: ]وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا[.
فالمراد من أنه يطغى عليهما: أنه يتجاوز الحد المعروف في تعامل الابن مع والديه مما يجعله عاقاً. قال الزمخشري: "فخفنا أن يغشى الوالدِّين المؤمنين طغياناً عليهما، وكفراً لنعمتهما بعقوقه وسوء صنيعه، ويلحق بهما شراً وبلاءً". يقول ابن عطية: "أن يكون المعنى أن ذلك الولد كان يعاشرهما معاشرة الطُّغاة الكفار".
والقرائن التي تدل على أن معنى الطُّغيان هنا هو العقوق الذي هو مجاوزة الحد أو القدر المعلوم في تعامل الولد مع الوالدِّين المفهوم المخالف لكلمة (رحماً) يعني أكثر عطفاً ورحمة عليهما. قال الطوسي: "أقرب رحماً: أي أبر بوالديه من المقتول -في قول قتادة- يقال رحمه ورحمة ورحماً".